القائمة الرئيسية

الصفحات



ﻣﺎ اﻟﺬي ﯾﺠﻌﻞ ﻟﮭﺬه اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺨﻀﺮاء اﻟﻤﺴﻤﺎة "اﻟﺪوﻻر" ھﺬه اﻟﻘﯿﻤﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ؟

وﻣﺎ اﻟﻤﯿﺰة اﻟﺘﻲ تجعله ﻣﻌﯿﺎرا وﻣﻘﯿﺎﺳﺎ ﻟﻜﻞ اﻟﻌﻤﻼت واﻷﺳﻌﺎر ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ؟

في هذا المقال سنتعرف سويا على قصة الدولار الأمريكي، وكيف تربع على عرش العملات، واستطاعت أمريكا من خلاله السيطرة على اقتصاد العالم.



نشأة الدولار
تم تأسيس البنك الوطني الأول في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1791م، من قبل ألكسندر هاميلتون أول وزير مالية في أمريكا.

وتمّ إنشاء الدولار الأمريكي عام 1792م، آنذاك لم يكن الدولار مجرّد عملة ورقية، بل كان على شكل 3 فئات، الفئة الأغلى كانت مصنوعة من الذهب، والأقل منها قيمةً كانت مصنوعة من الفضة والأخيرة كانت مصنوعة من النحاس. وتمّ اعتماد هذه العملة في 1792م كالعملة الرسمية للولايات المتّحدة.


استمر العمل بهذا النظام المالي إلى عام 1862م، إذ تم إنشاء العملة الورقية (الدولار الأمريكي بشكله الأخضر الحالي)

آنذاك لم تكن العملة مغطاة بالذهب (المقصود بالتغطية بالذهب هو أن يكون بمقدورك استبدال العملة الورقية بالذهب متى ما أردت ذلك حيث أنّ العملة الورقية تكون قيمتها ذهبًا) وهذا ما يسمى بالمعيار الذهبي The gold standard،وكانت انجلترا أول دولة تتبنى رسميا المعيار الذهبي عام 1821م.

إلّا أن الكونجرس الأمريكي جرّم من يرفض التعامل بالدولار الأمريكي آنذاك وفرض التعامل بها، فكان الدولار حينها مجرّد ورقة نقدية كثقة بينك وبين الحكومة، ولم يكن يساوي شيئًا في الواقع حيث أنّه ليس مغطىً بالذهب.

وفي عام 1879م وبعد حصول تضخّم هائل في الولايات المتّحدة وخسارة الدولار الأمريكي لجزء كبير من قيمته، تمّ تغطية الدولار الأمريكي بالذهب؛ فصار بمقدور الناس استبدال الدولارات الأمريكية الخضراء بالذهب متى ما أرادوا ذلك مما خفّض التضخّم وأنعش الاقتصاد.

وفي عام 1929م حصل الكساد العظيم (أزمة اقتصادية عالمية استمرت لسنوات)، مما دفع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت إلى إلغاء تغطية الدولار بالذهب عام 1933م ولكنّه أعاد تغطية الدولار بالذهب عام 1934م مع تعديل نسبي لسعر الدولار. واستمر الأمر على ما هو عليه إلى حين حصول اتفاقية بريتون وودز.


اتفاقية بريتون وودز Bretton Woods

بدأ التخطيط لمؤتمر بريتون وودز بعد أسبوعين من قصف بيرل هاربور في ديسمبر1941م، حينها طُلب من خبير الاقتصاد في وزارة الخزانة الأمريكية هاري ديكستر وايت أن يخطط لإطار عمل دولي من شأنه أن يمنع الدول الأخرى من تخفيض قيمة عملاتها خلال الحرب.

بعد عامين ونصف، في الفترة من 1 إلى 22 يوليو 1944م، غمرت مدينة بريتون وودز الأمريكية الصغيرة بأشخاص من جميع البلدان المختلفة على استعداد للعمل معًا من أجل حل بعد ما أحدثته الحرب العالمية الثانية، وﻻ ﺷﻚ أن أﻣﺮﯾﻜﺎ ﻋﻘﺐ اﻟﺤﺮب ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻗﻮى ﻋﺴﻜﺮﯾﺎ واﻗﺘﺼﺎدﯾﺎ.

فتوجه نحو 730 مندوبا من 44 دولة إلى بريتون وودز في ولاية نيوهامبشير الأمريكية لخلق انسجام مالي، وتمّ حينها توقيع عدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظم التجارة العالمية الدولية بالإضافة إلى تطبيق بعض الشروط والقيود عليها.

أهمّ نتائج المؤتمر كان اعتماد الدولار الأمريكي كمرجع رئيسي لتحديد سعر عملات الدول الأخرى؛ يمكنك أن تقول أنّ هذه الاتفاقية هي الاتفاقية الرئيسية التي أدّت إلى تشكيل نظام الصرف الأجنبي وتشكيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتطوير والتعمير، وهي الاتفاقية الرئيسية التي رسّخت هيمنة الدولار الأمريكي على تعاملات العالم الاقتصادية، حيث صارت هذه الدول الـ44 ترجع إلى الدولار الأمريكي لتحديد قيمة عملاتها دوليًا، مما جعل الدولار بمركز الملك.


كانت الولايات المتّحدة تمتلك 75% من ذهب العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان الدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة على مستوى العالم المُغطاة بالذهب (بقية الدول تخلّت عن تغطية عملاتها بالذهب بعد حصول تضّخمات في اقتصاداتها)، مما دفع عددًا كبيرًا من دول العالم إلى العمل على تكديس الدولارات الأمريكية بهدف استبدالها بالذهب مستقبلًا كاحتياطي، وصار عدد كبير من هذه الدول يستخدم عملة الدولار كاحتياطي النقد الأجنبي.

وكان 35 دولار يساوي أونصة من الذهب، أي ما يعادل 28 جرام من الذهب، بمعنى أن من يملك 35 دولارا فإن بإمكانه تبديلها في البنك الأمريكي بأونصة ذهب. وهكذا كانت الولايات المتحدة ملتزمة بدعم كل دولار في الخارج مع الذهب، مما جعل سعر صرف العملات الأجنبية ثابتا مقارنة بالدولار.


صدمة نيكسون Nixon shock

أصبح الدولار منهك نتيجة إنهاك الولايات المتحدة في منافستها مع الاتحاد السوفيتي خصوصا بعد حرب فيتنام التي استمرت من عام 1956م إلى 1975م. فلم يعد بالإمكان طباعة المزيد من الدولارات لأن الذهب الموجود لم يعد كافيًا لتغطيتها، وبالتالي قامت الولايات المتّحدة بتجاوز الحد الأعلى المسموح من الدولارات المطبوعة، وقامت بطبع دولارات غير مغطاة بالذهب دون أن تُعلِم أحدًا بذلك.

وفي الثالث عشر من أغسطس عام 1971م عقد "ريتشارد نيكسون" رئيس الولايات المتحدة الأمريكية اجتماعاً سرياً في كامب ديفيد مع رئيس الاحتياطي الفيدرالي "آرثر بورنس" ووزير الخزانة "جون كونالي" جنباً إلى جنب مع مستشارين رفيعي المستوى في البيت الأبيض.

بعد ذلك التاريخ بيومين، وتحديداً مساء الأحد الموافق 15 أغسطس 1971م، وافق "نيكسون" على سلسلة من التدابير الاقتصادية، أهمها كان وقف قابلية تبديل الدولار إلى ذهب، فيما عرف بصدمة نيكسون.

كانت صدمة حقيقية للدول على مستوى العالم، إنّها خدعة تمّ خداع العالم بأسره بها، فبعد أن كانت تعمل على مرّ السنوات لتكديس الدولار الأمريكي كاحتياطي للنقد الأجنبي لتستبدله بالذهب عندما تريد، أصبحت الآن غير قادرة على ذلك، والأسوء من كلّ ذلك هي أنّها كانت ما تزال مجبرة على التعامل بالدولار، لأنّها لا يمكنها التخلّي عنه بعد أن قامت بتكديس كلّ هذه الدولارات في الاحتياطي النقدي الأجنبي.


وبحلول عام 1973م، تم تحويل نظام "بريتون وودز" إلى نظام تعويم العملات الورقية الذي ما يزال العمل به قائماً حتى الأن.

أصبح الذهب حرًا بعدها ولم يعد أحد يتحكّم فيه سوى العرض والطلب، وأصبحت جميع العملات بما فيها الدولار الأمريكي تقف على أرضٍ واحدة وصارت كلّها عملات إلزامية ورقية لا قيمة لها في الواقع سوى التزام الحكومات بها.

انخفضت قيمة الدولار منذ 1973م، في حين ارتفع سعر الذهب بشكل جنوني، وأمام هذا الوضع المتأزم وموقف أمريكا المخزي تفتق الذهن الاقتصادي الأمريكي على خطة أخرى لدعم الدولار بذهب من لون آخر (ذهب أسود)


 البترودولار

وفقًا لجون بيركنز، مؤلف كتاب اعترافات قاتل اقتصادي:

قصة صادمة عن كيف استولت أمريكا حقًا على العالم، جاءت هذه الخطة في صورة نظام البترودولار، حين قام وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر بزيارة الملك فيصل ملك السعودية في عام 1974م، باعتبارها أكبر دولة مصدرة للبترول، وقد خرج كيسنجر باتفاق تاريخي يحتوي على:

أولا: تقوم المملكة بربط البترول بالدولار الأمريكي، بمعنى أن يتم إجبار كل من يريد شراء البترول بأن يدفع قيمته بالدولار الأمريكي، وكذلك أن تقوم السعودية بإقناع دول الأوبك باستخدام الدولار كعملة موحدة لبيع وشراء البترول.

ثانيا: أن تقوم السعودية باستثمار عائداتها من البترول في سندات الخزانة الأمريكية.

يعني ذلك أن السعودية تقوم باستخراج البترول من أراضيها وتبيعه للعالم بالدولار، وعندما تأخذ تلك الدولارات تقوم بتسليمها لخزينة الولايات المتحدة الأمريكية لإنعاش الاقتصاد الأمريكي.

كل ذلك مقابل الحماية العسكرية ودعم نظام آل سعود الحاكم.

وبحلول عام 1975م، كانت جميع الدول المنتجة للنفط في منظمة الأوبك قد وافقت على تسعير نفطها بالدولار والاحتفاظ بفائضها من عائدات النفط في سندات الخزانة الأمريكية، في مقابل العروض السخية المقدمة من الولايات المتحدة.

ثلاثة ميزات اساسية قدمها نظام البترودولار لأمريكا وهذا ما مكنها من الهيمنة الاقتصادية على العالم


1. يزيد نظام البترول من الطلب العالمي على الدولار:

لماذا يعد الطلب العالمي الثابت على الدولار فائدة؟

العملات مثل أي سلعة أخرى: فكلما زاد الطلب على العملة، كان ذلك أفضل بالنسبة للمنتِج.

2. نظام البترودولار يزيد الطلب على سندات الخزانة الأمريكية:

كان أحد أكثر الجوانب الرائعة لنظام البترودولار بالنسبة لأمريكا، هو مطالبة الدول المنتجة للنفط بجني أرباحها النفطية الزائدة ووضعها في سندات خزانة الولايات المتحدة، أصبح هذا النظام فيما بعد يعرف باسم "إعادة تدوير النفط" كما صاغها هنري كيسنجر.

3. يسمح نظام البترودولار للولايات المتحدة بشراء النفط بعملة يمكن طباعتها حسب الرغبة:

مثل كل الاقتصادات المتقدمة الحديثة، أنشأت الولايات المتحدة معظم بنيتها التحتية حول استخدام إمدادات الطاقة القائمة على النفط، ومثل العديد من الدول، تستهلك الولايات المتحدة من النفط كل عام أكثر مما تستطيع إنتاجه بمفردها، لكن ما يجعل أمريكا مختلفة، هو أنها تستطيع دفع 100٪ من وارداتها النفطية بعملتها الخاصة.



وإذا تسائلت، لماذا لا تقوم بعض الدول المصدرة للنفط بإلغاء التعامل بالدولار واستخدام عملة أخرى بدلا عنه؟

فالجواب هو: الأسطول الأمريكي الذي يجوب العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط فالقوة العسكرية هي من يحمي القوة الاقتصادية.

وفي النهاية عزيزي القارئ عليك أن تعلم أن الهدف الرئيسي للإمبراطورية الأمريكية هو الحفاظ على نظام البترودولار. كل شيء آخر هو شيء ثانوي.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع